"والكتاب هو الجليس الذي لا يطريك والصديق الذي لا يغريك والرفيق الذي لا يملك
والمستميح الذي لا يستريثك والجار الذي لا يستبطيك والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق
ولا يعاملك بالمكر ولا يخدعك بالنفاق ولا يحتال عليك بالكذب
والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك وشحذ طباعك وبسط لسانك وجود بنانك وفخم ألفاظك
وبحبح نفسك وعمر صدرك ومنحك تعظيم العوام وصداقة الملوك
وعرفت به في شهر مالا تعرفه من أفواه الرجال في دهر
مع السلامة من مجالسة البغضاء ومقارنة الأغبياء
والكتاب هو الذي يطيعك بالليل كطاعته بالنهار ويطيعك في السفر كطاعته في الحضر
ولا يعتل بنوم ولا يعتريه كلل السهر
وهو المعلم الذي إن افتقرت إليه لم يخفرك وإن قطعت عنه المادة لم يقطع عنك الفائدة
وإن عزلته لم يدع طاعتك وإن هبت ريح أعاديك لم ينقلب عليك
ولو لم يكن من فضله عليك وإحسانه إليك إلا منعه لك من عادة الخوض فيما لا يعنيك
ومن ملابسة صغار الناس وحضور ألفاظهم الساقطة ومعانيهم الفاسدة
وأخلاقهم الرديئة وجهالاتهم المذمومة
لكان في ذلك السلامة ثم الغنيمة وإحراز الأصل مع استفادة الفرع
ولو لم يكن في ذلك إلا أنه يشغلك عن سخف الأمور
لكان أعطى صاحبه أسبغ النعمة وأعظم المنة.
مع تحيات جامع تراث الدكتــــــــــور محمد العوضــــــــــــي